الخميس، 1 نوفمبر 2012
خطبة في التعامل مع الكوارث
قال تعالى"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" (83)
قال العلامة السعدي رحمه الله:"هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لافيحجم عنه؟
ثم قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، {لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم."
عباد الله : إن الكارثة والنازلة اذا وقعت لم تكن لتقع الا بقضاء الله وقدره ولا يكون في ملكه الا ما يشاء ولا يقع الا باذنه يفعل مايشاء ويحكم مايريد .
فمن الحكم من وقوع الكارثة والمصيبة : الابتلاء والامتحان وقد يكون العقاب والجزاء والتذكير بالعودة والتوبة قال تعالى(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)وقال تعالى(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)وقال تعالى(مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
والناس في الكارثة والمصيبة والنازلة من جهة التعامل مع الأخبار قسمان هما:
1- قسم يرددون كل ما يسمعون بدون تحفظ أو تثبت أو تأكد فما يكاد الخبر يصل ألى آذانهم الا وتقوم الالسن بتلقيه قبلها ونقلها وهذ ورد فيه النهي الشديد قال تعالى(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)وقال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)وقال عليه الصلاة والسلام(كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ماسمع).
2- والقسم الثاني هم قوم يصطادون في الماء العكر ففي الكارثة بضاعتهم وفي النازلة تجارتهم التي يستغلونها وينشرون مايريدون فيها وذلك بالتأليب على ولي الأمر او جهة معينة ونسبة أسباب الكارثة اليهم وانه بسبب حرصهم على الاموال حصل هذا التقصير ومن ثم شحن الناس تجاه ولاة الامر وتوظيف الحادثة او تلك لمآرب تخدم مصالحهم وتحقق منافعهم ولو على حساب الدين والوطن او ذهاب العرض والامن ، بل لاتكاد تحصل مصيبة او كارثة في بلد من بلدان المسلمين الا وهم يعقدون اجتماعاتهم ويستشيرون قادتهم للخروج بآليات وبرامج لكيفة استغلال الحدث وتوظيف الكارثة بما ...
ونحن هنا لانبرء دولة او حكومة او جهة معينة ، فانه لابد ان تتحمل نسبة من الخطأ والتقصير كبيرة كانت او صغيرة ، ولكن ان تجعل هذه الكارثة هي مدار الحديث والتشنيع على الحكومات فلا يفعل هذه الطريقة الا من اراد بالمسلمين سوءا وشرا سواء كان قاصدا ام غير قاصد وان ادعى الحرص على الاصلاح ، فالاصلاح طريقه معروفه وابوابه مفتوحه .
وربما لو وقع مثل هذا الحادث او اكبر في دولة مجاورة تحمل نفس مناهجهم او تسير على طريقتهم لالتمسوا لها الاعذار واوجدوا لها المبررات ولما رايت هذا النقد ولما سمعت هذا القدح :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة .............وعين السخط تبدي لك المساويا.
عباد الله : رسالة نرسلها الى كل من اطلق لسانه في هذه الازمات وخط قلمه في هذه النوازل وسطرت انامله بتلك التغريدات ان يتقي الله وان يراقب الله (ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا)وقال تعالى(مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)
ان الذي يفرضه الشرع ويؤيده العقل ان نستفيد من هذه الكوارث في ربط الناس بربهم وخالقهم سبحانه وتعالى وتذكيرهم بالايمان بقضاء الله وقدره وان مااصابنا لم يكن ليخطئنا وما اخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وتذكيرهم بقضية الموت وان الاجال محدودة والانفاس معدودة فان كثيرا من الناس اشغلتهم الاموال والاولاد عن ذكر هادم اللذات .
والواجب ان يعتبروا بمن حلت بهم الكارثة فانهم لم يكن يخطر ببالهم دنو اجالهم وان ساعة الموت قد اقبلت بل انها من علامات الساعة ، قال عليه الصلاة والسلام(وان يظهر موت الفجاة).
ويحتاج الناس الى تذكيرهم بأهمية الامن وخطورة الفوضى وكيف سيكون الحال لو انفرط عقد الامن ، ففي ساعات قليلة ذهب العشرات من الموتى والقتلى وبعدها بقليل يتدافع كثير من ضعاف النفوس لسرقة ممتلكات الموتى والجرحى هذا ونحن نعيش اقوى درجات الامن فكيف عباد الله لو ضعف خيطه وانفرط عقده لاقدر الله ..
ايها المسلمون : ان هذه الحوادث والكوارث فيها من الدروس والعبر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد لا كما يفعله دعاة الفتن ومشايخ الثورات من بني جلدتنا ويتكلمون بالسنتنا الذين يوظفونها لمآربهم ومطامعهم فان اصلاح الاخطاء انما يكون بالطريق الشرعية والقواعد المرعية دون احداث بلبلة فكرية او ثورة همجية تأتي على الأخضر واليابس ، والراجي واليائس.
الا عباد الله افيقوا واحذروا ممايراد بكم وبعقيدتكم وببلدكم وامنكم ووطنكم وانظروا كلماتهم كيف تشحن بها القلوب وتشوه بها الحقائق فاحذروهم وان كان بعضهم ظاهره الخير والصلاح فلا تغتروا بهم فمن سمع اقوالهم وشاهد تغريداتهم علم يقينا ان الامر خطير والحدث عظيم فلا ترددوا تغريداتهم ولاتنشروا افكارهم ولاتكونوا من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم والله المستعان قال تعالى(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ).
اللهم ارحم الميتين وعجل بشفاء المصابين واكفنا شر من اراد بنا سوءا يارب العالمين ، اللهم لاتفرح علينا عدوا ولاتشمت بنا حاسدا .
اللهم من ارادنا بسوء فاشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق